كان يا ما كان في سالف الأوان يحكي أنه كان هناك صيادًا فقيرًا في قرية بعيدة لديه زوجة ثرثارة لا تبقي على كلمة إلا وأخبرت بها الجميع، وكم نصحها زوجها؛ ولكنها لم تستجب لنصحه، وكان يغضب منها كثيرًا، ويحزن على حاله الذي يعرفه القريب والبعيد؛ بسبب لسان زوجته المنطلق.
وذات يوم خرج الصياد للصيد كعادته، فمر بالغابة حتى بلغ البحر، وجلس حزينًا يشكو للبحر حاله، ثم قام ليرفع شباكه ويعود للسوق ليبيع ما صاده ويجلب زاد يومه، فإذا بشبكته ثقيلة لا يقوى عشرة رجال على حملها، اندهش الصياد وقرر النزول للماء لرؤية ما قد
حملته الشبكة له، فإذا به يجد صندوق كبير داخل الشبكة، استجمع قواه وأخرج الصندوق وفتحه ليجده مليئًا بالذهب والمجوهرات، وكأن البحر قد أرسل له هدية، فرح الصياد فرحًا كاد يطير عقله منه؛ ولكنه سريعًا ما عاد لحزنه حين تذكر زوجته وثرثرتها.
جلس الصياد يفكر في خطة تضمن له الاحتفاظ بالذهب، وتلقين زوجته درسًا لا تنساه أبداً، فأتته فكرة عظيمة، فقام وخبأ الصندوق، وذهب إلى وسط الغابة، فصعد على الأشجار، ووضع شطائر الخبز التي كان يحملها معه، وبحث عن مصيدة الأرانب الخاصة به، فوجدها قد اصطادت أرنبًا كبيرًا، فأخرجه من الفخ، ووضع مكانه سمكة كبيرة، وعاد إلى البحر، ووضع الأرنب في شبكته وأنزلها إلي الماء، ثم عاد إلى منزله سعيدًا وظل طول الطريق ينثر الحلوى والسكر التي يحملهم دائمًا معه حتى وصل منزله، وما أن فتح الباب حتى نادى على زوجته: “زوجتي الحبيبة حالفنا الحظ، ابتسمت لنا الدنيا، استجاب الله أخيرًا لدعائنا، أصبحنا أغنياء بل أصبحنا من سادة القوم”.
فرحت زوجته لفرحه الشديد وسألته عن السبب، فأخبرها بأنه قد وجد كنزًا عظيمًا، ولم يقدر على إحضاره معه خوفًا من أن يراه أحدًا بسبب ثقل وزنه، أجابته زوجته قائلة: “ها قد حل الظلام والناس نيام، وأنا أخرج معك نحمله سويًا ونعود دون أن ينتبه لنا أحد”، أخذ الصياد زوجته وأضاء شعلته وعاد للغابة، وما أن خطت بها خطوات حتى رأت الحلوى والسكر منثور على الأرض، فسألته: “ما هذا”، قال لها: “هذه الغابة مسحورة تمطر حلوى”.
اندهشت الزوجة وأكملت طريقها، وما أن نظرت إلى الأشجار حتى وجدت شرائح الخبز، قالت لزوجها مندهشة: “خبزٌ على الشجر!”، قال لها: “أخبرتك الغابة مسحورة أشجارها تثمر خبزًا”، ونظرت تحت أرجلها لتجد السمك في الفخ، صاحت: “وما هذا أيضًا”، قال لها: “هنا الأسماك تعيش على اليابسة، بل وانظري”، وأخرج شباكه من الماء، والأرانب تسبح في المياه. فقدت الزوجة عقلها من الدهشة، واخبرت زوجها أن يعودوا مسرعين لمنزلهم ومعهم الكنز، فحملوه وعادوا سريعًا وهي تكاد تطير فرحًا، وما أن طلع الصباح حتى خرجت الزوجة الثرثارة تحكي لرفيقاتها عن كنز زوجها، وما سيصبح حالهم عليه من الثراء والغنى، حتي وصلت أخبار الصياد للملك، فأمر بإحضاره وسؤاله عن الكنز وإرغامه على تسليمه للقصر.
فقال الصياد للملك: “يا سيدي زوجتي مجنونة تهذي بغير الحق، أحضرها واسمع رواية الكنز منها”، فأمر الملك بإحضار الزوجة الثرثارة، فحكت له عن الغابة المسحورة، وأمطار السكر، وأشجار الخبز، وأسماك البرية، وأرانب البحر، فاقتنع الملك بكلام الصياد عن جنون زوجته، وانتشر خبر جنونها في القرية حتي أصبحت منبوذة، وهنا تعلمت الدرس من خطة زوجها، فخرج بها من البلد ومعهما الكنز ليعيشا في بلدة أخرى لا يعرفهم فيها أحد، ويتمتعوا بكنزهم دون أن تفتح الزوجة فمها بعد ما حدث لها.